يعاني معلم الصف الأول الابتدائي في بدايات خبرته من سرعة فقدان التلميذ للمهارات ، ولذلك أسباب منها عدم التدريب الكافي وفرط الحركة لدى التلميذ .
ومن الأسباب التي قد تخفى على المعلم مستوى إدراك التلميذ للمفاهيم والتصورات ، ومنها مفهوم اللغة المقروءة والمكتوبة ، لذا يجب أن ننطلق من المفهوم المعلوم للتلميذ إلى المفهوم المجهول بالنسبة له .
يدرك الطفل مفهوم اللغة المسموعة خلال السنتين الأوليين من عمره ، ويحتفل الأهل بانتقال طفلهم إلى مفهوم اللغة المنطوقة عندما يبدأ الطفل في استثمار ما خزنه من لغة خلال السنوات الماضية فيبدأ بنطق أجزاء من كلمات للدلالة على شيء محسوس يطلبه مثل الماء والحليب واللعبة ، والعجيب أن الأهل يفهمون رموز الطفل المنطوقة ، ويتحدثون معه بلغته فمثلا يقولون له ( ننه ) أو ( امبوه ) او ( … )أي هل تريد رضاعة حليب أو ماء ، فيدرك الطفل سحر اللغة المنطوقة التي تحقق له طلباته فيتحفز لتعلمها لما يراه من أثر لها في سلوك من حوله تجاهه.
وهنا تكمن خطورة إقحام كلمات ليست من قاموس الطفل ، فكيف يدرك وظيفة اللغة المقروءة إذا كانت الكلمة تحتاج إلى شرح ليحفظ معناها فقد أضفت عبئا فوق عبء للتلميذ ومعلمه .
لا ينسى أحد المعلمين كلمة ( المائدة ) التي وردت في عبارة ( جلست الأسرة حول المائدة ) فرغم بساطتها فقد لاحظ أن بعض الأطفال في بدايات الصف الأول في تلك القرية لا يعني لهم الرمز المنطوق ( المائدة ) شيئا بعد استدعاء مخزونهم اللغوي المسموع والمنطوق ، فماذا يفعل المعلم هنا ، هل يبدأ في عملية مركبة فيربط بين كلمة المائدة المنطوقة ودلالاتها الحسية فيحضر لهم مائدة طعام ويقول لهم هذه هي المائدة ثم يقول لهم إن هذه الكلمة الماثلة أمامكم تنطق هكذا وتدل على هذا القطعة الخشبية التي أمامكم؟
في مجال الدلالة اللغوية جرب معلم حيلة أخرى ، أحضر ألعاب بلاستيكية سيارة وطيارة و… وفواكه : موزا وعنبا وبرتقالا وملاعق و … وضعها على طاولة وسماها السوق وكلف التلميذ بأن يمثل دور البائع ، يقول المعلم لأحد التلاميذ : يا بني أنا لا أستطيع الذهاب إلى السوق فتعال بجانبي لأكتب شيئا تشتريه لي من السوق ، يقف الطالب يلاحظ معلمه يكتب على البطاقة رموزا قد لا يفهمها في البداية لكنه سيفهم لاحقا أنها تدل على كلمة منطوقة لها دلالة حسية خارج البطاقة ، يذهب التلميذ المشتري إلى التلميذ البائع فيتعاونان على قراءة البطاقة إن كان الهدف هو التعلم من الأقران (التعاوني) أو يحدد المعلم البائع ليقرأها ويعطي المشتري بضاعته إن كان الهدف هو التعلم الفردي .
أثناء جدال البائع والمشتري على مدلول الرمز المنطوق هل هو عنب أو برتقال أو موز يبنى مفهوم اللغة المقروءة ويدرك الطفل دلالة اللغة ووظيفتها ، بالاعتماد على قاموسه ومخزونه اللغوي السابق وبناء عليه .
يستطيع المعلم أن يطور الحيل التعليمية ليصل بالتلاميذ إلى مفهوم اللغة المكتوبة ووظيفتها في التعبير عما في النفس ، ففي المثال السابق يمكن للتلميذ أن يتحول إلى كاتب لما يرغبه ، وكم سيبتسم ويستمتع عندما يرى ما دونه في البطاقة قد تم إحضاره أمامه.
يعتقد البعض أن المفاهيم السابقة لا تحتاج إلى كل هذا الجهد ، لكنها من وجهة نظر الطفل تستحق ، كما لا يعني ما سبق من بسط للموضوع أن يكون التعليم والتعلم دائما بهذا البطء الشديد ، لكن المراد أن يصل الطفل إلى مرحلة (الاستبصار) فإذا أدرك مفهوم اللغة المقروءة والمكتوبة ووظيفتها في حياته فسينطلق معك بشغف ، يمكنه من إضافة رموز منطوقة جديدة لمخزونه اللغوي مرتبطة بدلالاتها المجردة والمحسوسة لإثراء مخزونه اللغوي .
ختاما
يلزم المعلم أن يمكن التلميذ في الموقف القرائي الواحد من تهجي حروف الكلمة الواحدة بطريقة المقطع الصوتي ثم يعود لنطق الكلمة كاملة بدون تقطيع ثم الكلمة التي بعدها ، ثم يعود لقراءة الكلمتين معا بانطلاق وهكذا حتى تتم الجملة لفهم معنى الجملة ، لأن التهجي وقراءة الكلمات مجزأة هو هدف مرحلي وليس هدفا نهائيا .
يمكن عكس العملية فبعد قراءة الجملة وفهم معانيها ودلالاتها ، يتم تحليلها إلى كلمات ، والكلمات إلى مقاطع صوتية ، والمقاطع إلى حروف ( التحليل والتركيب عمليتان لا غنى عنهما ولا بد من دمجهما)
إن بطء القراءة في الصفوف العليا قد يعود إلى الاكتفاء بمهارات التهجي ، وعدم البناء عليها .
قد تجد معلما للصفوف الأولية اجتهد في تعريف طلابه الحروفَ والحركاتِ والمدودَ صوتا وشكلا وحلّل وركّب ثم لاتجد أكثرهم قارئين، وإنما مثله كمثل رجلٍ رسم مخطط عمارةٍ وأحضرالحديد والإسمنت والرمل والطوب وترك كل ذلك في الأرض منتظرا أن تقوم عمارته دون أن يستثمرهذه المواد ويربط بينها لتصبح ذات معنى.